طهارة الانتظار والاستقبال

دخول السيد إلى الهيكل 

في مثل هذا اليوم يدخل يسوع مع أبويه إلى الهيكل، وهناك يستقبله سمعان الصدّيق، الذي أقبل بالروح إلى الهيكل واقتبله على ذراعيه. وحضرت أيضاً حنّة النبيّة، التي كانت قد تقدّمت في السنّ كثيراً وعاشت أرملة في الهيكل حوالي أربع وثمانين سنة لا تفارقه متعبّدة بالأصوام والطلبات ليلاً ونهاراً.

هناك استقبالان مميّزان ليسوع في أورشليم والهيكل. الاستقبال الأوّل يحدث هنا وهو بعد ما زال طفلاً ذي أربعين يوماً قبل أن يظهر للناس علانية في سنّ الثلاثين عند معموديّته، يملأ قلب سمعان فرحاً. وهناك الاستقبال الثاني حدث عندما استقبله الناس على أبواب أورشليم بعد ثلاث سنين من ظهوره وأعماله وبشارته، ينتهي بتسليم يسوع ظلماً.

تخلق هذه المقارنة تنبيهاً فينا. كيف نستقبل يسوع مبتهجين، وكيف اصطدم آخرون بملاقاة يسوع متألمين؟

في الدخول الأوّل ليسوع إلى الهيكل، وقبل أن يظهر، شعر به وبألوهيّته سمعان الشيخ الذي انقاد بالروح إلى الهيكل ليستقبله على ذراعيه، ومعه النبيّة التي أمضت ثمانين سنة في الأصوام والأسهار والصلوات. لقد أبهج دخول يسوع قلب سمعان إذ حقق رجاءه المنتظر. وهذه هي النوعية الأولى ممن كانوا ينتظرون “تعزية إسرائيل”. في الدخول الثاني، وبعد كلّ ما أظهره يسوع من أعمال وما علّمه من كلمات، يستقبله الشعب لكي يرفضه بعد أيّام. لقد خيّب يسوع انتظار هذا الشعب أو بالعكس لقد كانت أحلام هذا الشعب “بالمنتظَر” عكس ما جاء هو عليه.

مقارنين الدخولَين ليسوع إلى هيكله ندرك أن برّ سمعان وصلاة حنّة جعلاهما ينتظران التعزية الحقيقيّة، التي قادهما الروح إلى لقائها حتّى قبل ظهورها. ونلاحظ أن دنيويّة الرغبات عند الشعب جعلته لا يلاقي يسوع حقاً حتّى بعد ثلاثة سنوات من ظهوره.

إن انتظار سمعان وحنّة بُنِيَ من حجارة الصلاة والصوم ومن بخور المعبد، أما انتظار العامة من الناس فقد جلبتْه الرغبةُ بالسلطة والأحلام الدنيويّة. لا يمكننا استقبال يسوع إلا بعد فعل إيمانٍ صافٍ يتمّ بحياة البرّ.

علينا إذاً أن ننقي انتظارنا لله. اللقاء مع الله هو العطش الحقيقيّ في داخل كلّ إنسان. ولكن لطالما لم يتحقّق هذا اللقاء، وذلك لأننا بانتظارنا له مزجنا أحلامنا بما ليس منه وليس فيه. لطالما صار اللقاء بالله مفاجأة، ولربّما أكثر من ذلك صدمة.

في لحظات عديدة من الحياة، رغم كلّ غيوم الهموم والانشغالات، يحتك الإنسان بحضرة الله ووجوده عن قرب. قد تكون هذه اللحظات لحظة شدّة، أو ساعة فرح، أو إصغاء إلى كلمة إلهيّة، أو فهم لنص روحي أو إنسانيّ، أو مواجهة للذات أمام مختلف الرغبات… هناك حين نصادف الله، عند هذا اللقاء ستحدّد طهارةُ إيماننا أو فسادُه طبيعةَ لقائنا به.

يسعى الله إلى كلّ نفس بشريّة، كالعريس إلى عروسه. ولطالما يتباطأ الإنسان في استقبال الله الساعي إليه. أو لطالما يكوّن الإنسان لذاته صورةً عن هذا المنتظر لن تحقّق له انتظاره آنذاك.

إنّ ضغوطات الحياة وهمومها وأتعابها اليوميّة تجعل الاتزان بين المادّة والروح اليوم أكثر اختلالاً. ويزداد لهب العطش الإنسانـيّ إلى الله حدة. ويصير الانتظار الإنسانـيّ لاستقبال الله في الحياة أحرّ وأكبر.

فإذا جعلنا من هذه الدوافع اليوميّة المعيشيّة سبباً لننتظر تحقيق أحلام أرضيّة فقط سيكون لقاؤنا بيسوع يوماً ما أو في لحظة من الزمن مفاجأةً قاسية. وإذا جعلنا هذه الحاجات بالإيمان تنقيةً لانتظارنا وخاطبنا من خلالها يسوع ليس بدافع من دنيويّات في رغباتنا. على العكس، علينا أن نخاطبه في لحظة سهر أو صلاة مرفقة بالصوم. عندها يوم نلقاه سيكون بذلك فرحنا. وسنصرخ كما أنشد سمعان الشيخ: الآن تطلق عبدك يا سيد بسلام فقد أبصرت عيناي خلاصك. آميـن

 

 

أضف تعليق